جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2025/07/22
صالح البرعي*
مما لا شك فيه أن الأحداث التي لحقت بالمنطقة بشكل عام والبحرين العربي والأحمر بشكل خاص قد انعكست آثارها بشكل مباشر على صناعة التأمين البحري في المنطقة بشكل عام واليمن بشكل خاص، فبين مطرقة المخاطر الأمنية المتزايدة وسندان العملاء الرافضين لأي تعديل في أسعار التأمين أو شروطه، تقف شركات التأمين اليمنية أمام معادلة صعبة تهدد استقرارها واستمراريتها.
واقع متغير ومخاطر متصاعدة:
منذ بداية الأحداث الأخيرة في البحر الأحمر، بما فيها الهجمات المتكررة على مينائي الحديدة والصليف ارتفعت مستويات الخطر البحري إلى درجة حرجة دفعت العديد من شركات إعادة التأمين العالمية إلى إعادة تقييم تغطياتها في المنطقة، وانعكس ذلك بوضوح على أسعار التأمين البحري، حيث قفزت أسعار التأمين بنسبة تراوحت بين 200% إلى 400% لبعض السفن والبضائع الحساسة، كما فرض معيدو التأمين استثناءات جديدة تتعلق بمخاطر الحرب أو الألغام البحرية أو القرصنة المسلحة، وبات من المعتاد أن ترفض شركات التأمين العالمية أو حتى بعض شركات الشحن البحري إدراج الموانئ اليمنية ضمن خطوط سير سفنها دون فرض رسوم إضافية ضخمة تغطي تكاليف المخاطر الحربية (War Risk Premium)، في حين أن السفن الجديدة والمحدثة تفضل الإحجام عن الإبحار إلى اليمن كليًا بسبب عدم جدوى الرحلة ماليًا وفنيًا مقارنة بحجم المخاطر المحتملة.
شروط جديدة تقيّد التغطيات:
أبرز التحديات التي تواجهها شركات التأمين المحلية اليوم تتمثل في التغييرات التي فرضها معيدو التأمين العالميون على وثائق النقل البحري في المنطقة ومنها على سبيل المثال:
استثناءات الحرب الموسعة: حيث باتت وثائق النقل البحري القياسية تستثني بشكل صريح أي خسائر ناجمة عن عمليات عسكرية مباشرة، أو هجمات صاروخية أو طائرات مسيّرة، أو الألغام البحرية، وكذلك استثناء الأضرار غير المباشرة للحرب مثل التأخير الناتج عن إغلاق الموانئ أو تغيير مسار السفن بسبب الحرب والذي قد ينشأ عنه ضرر أو تلف في البضائع نتيجة طول المدة، وفي السابق كانت بعض هذه الحالات قابلة للتغطية كجزء من المخاطر التشغيلية.
شرط الإبلاغ المسبق: حيث باتت شركات إعادة التأمين تشترط على الشركات المحلية إبلاغها المسبق عن كل شحنة تمر عبر البحر الأحمر أو تدخل الموانئ اليمنية للحصول على موافقة خاصة قبل سريان التغطية.
ارتفاع القسط الخاص بالحرب: في حال قبول التغطية، فإن المعيدين يفرضون قسطًا إضافيًا عاليًا يختلف حسب نوع البضائع وميناء الوصول، مما يضاعف كلفة التأمين على الشركات المحلية في ضل إصرار الكثير من العملاء على التمسك بنفس الأسعار الممنوحة لهم قبل الحرب، دون أي اعتبار لحجم المخاطر الفعلية التي تغطيها الوثيقة في ضل المستجدات الحادة، فبعض التجار يرون أن شركات التأمين تبالغ في تقدير الأخطار، بينما الحقيقة أن شركات التأمين ذاتها باتت ملزمة بشروط معيديها العالميين، والذي لا يمكن تجاوز اشتراطاتهم في ظل التزامات الاتفاقيات الدولية لإعادة التأمين.
بين المطرقة والسندان:
هذا الإصرار من العملاء على الأسعار المخفّضة يضع شركات التأمين اليمنية في موقف مالي حساس، فهي من جهة لا تستطيع تحمّل الخسائر الكبيرة الناتجة عن مخاطر الحرب غير المؤمن عليها، ومن جهة أخرى تخشى فقدان عملائها الكبار بسبب عدم تقبلهم للأسعار الجديدة المرتفعة في ظل اقتصاد متعثر أساسًا، وبذلك أصبحت صناعة التأمين البحري في اليمن أمام منعطف تاريخي صعب، حيث أجبرتها الحرب على مواجهة أخطار غير مسبوقة في وقت يرفض فيه الكثير من العملاء الاعتراف بضرورة تحملهم لجزء من الكلفة الجديدة، وبين مطرقة الحرب وسندان العميل يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق المعادلة الأصعب: استمرار توفير التغطية التأمينية، دون المجازفة بقدرة الشركة على الوفاء بالتزاماتها أو فقدان مكانتها في السوق.
*الشركة الإسلامية للتأمين- مدير فرع الحديدة