مقابلات ومقالات

  • شارك:

العملة الإليكترونية والتغلب على أزمة السيولة


جمعية البنوك اليمنية - صنعاء     بتاريخ: 2020/07/10

 

رشيد الحداد



لم يعد الأخذ بالعملة الالكترونية وسيلة تبادل نقدية مثلها مثل العملة النقدية الورقية يتم استخدامها كأداة تبادل نقدية في السوق المحلية أو في الجهاز المصرفي وحسب، بل أثبت هذا النوع من العملات إنها تكتسب أهمية كبيرة لتعدد الامتيازات فيها، فعلى مدى العقود الماضية ثبت أن النقد الورقي له سلبيات كبيرة تنعكس سلباً على أداء الاقتصاديات, وعلى النمو المحلي الإجمالي, وعلى الاستقرار المعيشي والاقتصادي للشعوب، وعلى وضع التنمية ككل.
نحن هنا في اليمن عانينا من التعامل السلبي بالعملة في السوق, وارتفعت معدلات إتلاف تلك العملة إلى عشرات المليارات, وكانت تصل الفئات النقدية, التي يحيلها البنك المركزي إلى الإتلاف ما بين 70 مليون إلى 100 مليون ريال يومياً، ليس ذلك وحسب, فهناك عدد من الظواهر السلبية, التي تحولت إلى مشاكل معقدة أمام السلطات النقدية وكان لها أثر سلبي كبير في إعاقة الدورة النقدية, وخروج كتلة نقدية خارج نطاق البنوك بسبب الادخار السلبي, وثقافة اكتناز كميات كبيرة من النقود الورقية في المنازل لسنوات؛ مما يتسبب بتراجع العرض النقدي من السوق, وتجميد مليارات الريالات كان بإمكانها أن تقود حراكاً اقتصادياً في السوق المحلية وأن تستخدم في تمويل مشاريع التنمية, أو تنفيذ مشاريع استثمارية ذات جدوى ونفع عام.
كنا نتحدث قبل سنوات عن وجود تريليون و200 مليار ريال في السوق المحلية, ومع ذلك ظهرت أزمة سيولة نقدية حاول البنك المركزي التغلب عليها بتصدير قرابة 400 مليار ريال من النقد الورقي غير المصدر لدى البنك المركزي؛ في محاولة لإنقاذ الوضع, وإعادة مسار الدورة النقدية إلى مسارها الطبيعي, اتجهت كل تلك الكتلة النقدية الكبيرة والضخمة, التي بلغت ثلاثة أضعاف ما كان البنك المركزي اليمني بصنعاء يصدره للسوق من عرض نقدي, إلى السوق الموازي.
تلك الظاهرة, التي تعد أحد عوامل تراجع حركة الاستثمارات في البلاد, وتؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي في البلد ككل، تسهم في ارتفاع العجز العام في الموازنة وتدفع البنوك أو المصارف المركزية في الدول إلى تغطية العجز عبر ادوات تضخمية, مثل اللجوء إلى الدين العام الداخلي, أو الاقتراض من الخارج, أو إلى طباعة العملة ، التي يكون لها أثر سلبي على القيمة الشرائية لتلك العملة؛ فتفقد جزءا من قيمتها الشرائية؛ وهو ما ينعكس سلباً على معدل دخل الأسرة, ويرفع معدلات التضخم السعري في السوق المحلية وينتهي غالباً بإيصال البلد إلى حالة عدم استقرار, وخصوصا في الدول الديمقراطية.
تلك المشاكل, وغيرها الناتجة عن الاستخدام السيئ للعملات الورقية الوطنية، حدت منها الكثير من دول العالم عبر آلية العملة الإلكترونية, التي أثبت أنها أكثر مرونة في السوق المحلية من العملة الورقية؛ لسهولة تحويلها من حساب إلى آخر, والتداول بها في السوق المحلية، وسداد الالتزامات بها, وشراء الاحتياجات وغيرها؛ فهذا النوع من العملات الحديثة يتسم بالأمانة كونها صادرة عن البنك المركز ي, أو مصارف ذات ثقة وجدارة ائتمانية كبيرة, ولها نقاط تبادل كبيرة تعزز ثقة المستخدم لهذه العملة بها.
عبر العملة الإلكترونية تمكنت دول وحكومات من التغلب على مشكلة التعامل السيئ مع العملة الورقية, وتم إيقاف عمليات الإتلاف والاستنزاف اليومي للعملة الوطنية، يضاف إلى أنها أثبتت جدارتها في إعادة مسار الدورة النقدية بين البنك المركزي أو المصرف المركزي والبنوك العاملة في السوق, وبين قطاعات الأعمال المختلفة وبمرونة شديدة تظل العملة الإلكترونية داخل نطاق الدورة النقدية, مع ضمان عدم تسربها خارج القطاع المصرفي ؛ فتساهم في رفع معدل الإيداعات في البنوك, وبالتالي تضاعف البنوك أنشطتها المختلفة, وتتمكن من رفع معدلات نموها السنوية ، وكذلك تسهم في تحسين الحركة التجارية والاستثمارية في البلد على حساب اقتصاد الظل ، وتسهم بشكل كبير في التغلب على أزمة السيولة النقدية, وتمكن الدول والحكومات من الوفاء بالتزاماتها تجاه موظفيها, وتجاه المؤسسات والشركات .
ونظراً للجدوى الاقتصادية الكبيرة للعملة الإلكترونية متعددة المميزات والسمات، ينبغي الدفع بهذه الأداة السحرية الفاعلة, التي ربما قضت على الجوانب السلبية للعملة الورقية, التي كان يدفع ثمنها الوطن والمواطن؛ فهذا النوع من النقود لا يقبل الاكتناز خارج الدورة النقدية للقطاع المصرفي ، ويتميز بسرعة التعامل والتداول والتحويل والاستقبال والسداد دون اللجوء إلى البنوك, وشركات الصرافة في الكثير من الأحيان, ومكاتب تقديم الخدمات ، ويتسم بحماية أموال المدخرين من السرقة او السطو أو المصادرة ، كما يتيح لحامل هذه النقود الاستثمار وتحسين معدلات الدخل عبر طرق حديثة.
لذلك كانت اليمن بحاجة إلى هذا النوع من العملات الذي يتسم بالأمان كون يأتي كبديل للنقود الورقية ويقوم بنفس وظائفها وبشكل وطريقة أسرع، ويسهم في انهاء الكثير من المشاكل الاقتصادية وبعكس العملة الورقية التي تتحول إلى أداة للإخلال بالنظام المالي والاقتصادي للبلد تتحول العملة الإلكترونية إلى عامل أساسي للاستقرار المعيشي والاقتصادي للبلد.


 

مجلة المصارف العدد (10) يونيو 2020
جمعية البنوك اليمنية   جمعية البنوك اليمنية

رابط مختصر:
UP