تقارير ودراسات

  • شارك:

التوقف الاقتصادي المفاجئ يهدد العالم


جمعية البنوك اليمنية - صنعاء     بتاريخ: 2020/04/01

 

يرى محمد العريان كبير المستشارين الاقتصاديين في شركة أليانز أن الأزمة الحالية لفيروس كورونا أدت إلى خروج الجميع من المناطق الآمنة، ليستسلم معظمنا لدرجة من الشلل، إذ إن الميل الطبيعي إلى الذعر يفسح المجال لحدوث اضطرابات اقتصادية أعمق.


وأشار العريان في مقاله أن اشتداد حالات نقص السيولة، تدفع المشاركين في السوق إلى بيع أي شيء يمكن بيعه والتسييل، وعندما يحدث هذا، تكون النتيجة المتوقعة هي ارتفاع مخاطر التصفية المالية بالجملة. وفي ما يلي المقال:


مع تدمير فيروس كورونا لاقتصادات العالم واحدا تلو الآخر، تجد مهنة علم الاقتصاد، والأسس التحليلية لصنع السياسات السليمة وإدارة الأزمات، نفسها أمام حتمية التطور والتكيف لتلحق بركب الأحداث الاقتصادية الجسيمة التي يشهدها العالم، وتثير اقتصاديات العدوى الفيروسية والخوف و«قواطع التيار» القلق بشكل خاص. وكلما تقدم الفكر الاقتصادي لمواجهة الحقائق المتغيرة، كان التحليل الاقتصادي أفضل لتقديم الارشادات والمؤشرات المناسبة من أجل رسم سياسات رد فعل واستجابة أكثر فعالية.


حتما ستكون سياسات الاستجابة تلك جديدة ومكلفة، إذ تتخذ الحكومات والبنوك المركزية إجراءات غير مسبوقة للتخفيف من حدة الانكماش العالمي، خشية أن يؤدي الركود العالمي الذي بات مؤكدا الآن إلى الكساد (وهو بالفعل خطر متزايد بشكل مثير للقلق). كما أنه من المحتمل أن نشهد مزيدا من التآكل في التمييز بين الاقتصاد السائد في الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات النامية.


التوقف الاقتصادي المفاجئ


مثل هذا التغيير مطلوب بشدة. فمع وجود أدلة دامغة على الانخفاضات الهائلة في الاستهلاك والإنتاج عبر البلدان، ينبغي أن يضع المحللون في الاقتصادات المتقدمة، أولا وقبل كل شيء، في الحسبان ظاهرة كانت مألوفة حتى الآن فقط عند الدول والمجتمعات الهشة/الفاشلة التي دمرتها الكوارث الطبيعية المتمثلة في التوقف الاقتصادي المفاجئ، إلى جانب سلسلة من الانهيارات التي يمكن أن تتبعه، ليواجهوا بعد ذلك تحديات أخرى كانت مألوفة أكثر عند البلدان النامية.


عند الحديث عن طبيعة الاقتصاد الوبائي، فإن المستهلكين، وبغض النظر عن رغبتهم في الإنفاق، غير قادرين على القيام بذلك؛ لأنه مطلوب أو مفروض عليهم البقاء في المنزل. الحال ذاته ينطبق على المتاجر أيضاً، فبغض النظر عن رغبتها في البيع، لا يمكن لها الوصول إلى عملائها، فضلاً عن أن الكثير منها انقطع عن الموردين ولم تعد قادرة على الحصول على الواردات.


والأولوية المباشرة، بالطبع، هي الاستجابة المتعلقة بالصحة العامة، التي تدعو إلى التباعد الجسدي والعزلة الذاتية وغير ذلك من التدابير التي لا تتوافق بشكل أساسي مع عمل الاقتصادات الحديثة. ونتيجة لذلك، حدث انكماش سريع للنشاط الاقتصادي أثر بالتالي على الرفاهية الاقتصادية.


أما بالنسبة إلى شدة ومدة الركود القادم، فكله يعتمد على نجاح السياسات الصحية، خصوصا الجهود المبذولة لتحديد واحتواء انتشار الفيروس وعلاج المرضى وتعزيز المناعة. وفي أثناء انتظار ما يحدث من تقدم على هذه الجبهات الثلاث، سيزداد الخوف وعدم اليقين يصحبها تداعيات سلبية على الاستقرار المالي وآفاق الانتعاش الاقتصادي.


عندما يخرج الجميع من المناطق الآمنة التي اعتاد عليها وركن إليها بهذه الطريقة المفاجئة والعنيفة، سيستسلم معظمنا لدرجة من الشلل أو رد الفعل المفرط أو كليهما. والميل الطبيعي إلى الذعر يفسح المجال لحدوث اضطرابات اقتصادية أعمق. وعندما تشتد حالات نقص السيولة، يندفع المشاركون في السوق إلى بيع أي شيء يمكن بيعه والتسييل.


وعندما يحدث هذا، تكون النتيجة المتوقعة هي ارتفاع مخاطر التصفية المالية بالجملة، والتي في غياب التدخلات الذكية لسياسة الطوارئ، ستهدد عمل الأسواق. وفي حالة الأزمة الحالية، فإن مخاطر تأثير وانعكاس النظام المالي على الاقتصاد الحقيقي والتسبب في كساد، هي أكبر من أن يتم تجاهلها.


وهذا ينقلنا إلى الأولوية التحليلية الثالثة: اقتصادات «قواطع التيار»، والسؤال ليس فقط ما الذي يمكن أن تحققه تدخلات سياسات الطوارئ، ولكن أيضا ما يقع خارج نطاقها وموعدها.


من المؤكد أنه بالنظر إلى أن خفض المديونية الاقتصادية والمالية المتزامنة ستكون له آثار كارثية على رفاهية المجتمع، ومن الواضح أن اللحظة الراهنة تتطلب اتباع نهج سياسة مهما لزم الأمر والجميع مشمول والحكومة بأكملها. لذلك فإن الأولوية المباشرة تتطلب إنشاء قواطع للتيار يمكن أن تحد من نطاق حلقات التغذية الاقتصادية والمالية الخطيرة. وتقود هذه الجهود البنوك المركزية، لكنها تشمل أيضا السلطات المالية وغيرها.


لكن سيعترض هذا الأمر مقايضات صعبة ينبغي تجاوزها. فعلى سبيل المثال، هناك زخم كبير وراء المقترحات المتعلقة بالتحويلات النقدية والإقراض من دون فائدة لحماية الشرائح الضعيفة من السكان وإبقاء الشركات واقفة على قدميها وحماية القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية. الفكرة، التي تنطلق من أساس محق، تتمثل في تقليل مخاطر أن تتحول مشكلات السيولة الى مشكلات ملاءة مالية.


برامج الإنقاذ


ومع ذلك، سيواجه برنامج ضخ النقد والقروض تحديات تنفيذ فورية. فبصرف النظر عن العواقب غير المقصودة والأضرار الجانبية التي تأتي مع جميع الإجراءات الشاملة، فإن إغراق النظام بأكمله في أزمة اليوم سيتطلب إنشاء قنوات توزيع جديدة. ذلك أنه، كما يبدو، فإن مسألة كيفية إيصال النقد إلى المستهدفين ليست مباشرة وواضحة.


كما أن هناك المزيد من الصعوبات عندما يتعلّق الأمر بتنفيذ برامج الإنقاذ المباشر، التي أصبحت مرجحة بشكل متزايد. فبعيدا عن كونها منفصلة عن النظام، فإن شركات الطيران وخطوط الرحلات البحرية والقطاعات الأخرى المتأثرة بشدة هي مؤشرات رئيسية على ما لم يأت بعد. فمن الشركات الصناعية المتعددة الجنسيات إلى المطاعم العائلية والشركات الصغيرة الأخرى، سيكون خط الإنقاذ الحكومي طويلاً جداً.


من دون مبادئ معلنة بوضوح حول لماذا وكيف ومتى وبأي شروط سيتم تقديم المساعدة الحكومية، هناك فرصة كبيرة لتسييس عمليات الإنقاذ وسوء التصميم أو أن يتم الهيمنة عليها من قبل المصالح الخاصة. وهذا من شأنه أن يقوض استراتيجيات إعادة الشركات للوقوف على أقدامها ويخاطر بتكرار تجربة ما بعد عام 2008، عندما تم ضخ أموال الانقاذ بهدف التعافي من الأزمة، ولكن من دون إرساء الأساس لنمو قوي ومستدام وشامل بعد ذلك.


وبالنظر إلى مدى احتمالية أن تكون التدخلات الحكومية واسعة النطاق هذه المرة، فمن الأهمية بمكان أن يعترف صانعو السياسات أيضا بحدود ما يمكن لهم أن يقدموا وبقصور التدخل الحكومي هذه المرة. إذ لن يؤدي أي خصم ضريبي أو قرض بفائدة منخفضة أو اعادة تمويل رخيصة للرهن العقاري الى اقناع الناس باستئناف النشاط الاقتصادي الطبيعي إذا كانوا لا يزالون يخشون على صحتهم. وطالما أن التركيز على الصحة العامة ينصب على التباعد الاجتماعي كوسيلة لمنع تفشي الفيروس في المجتمع، فان الحكومات لا تريد أن يخرج الناس على أي حال.


جميع القضايا المثارة أعلاه جاهزة لمزيد من البحث الاقتصادي. وفي أثناء متابعة مجالات البحث هذه، سيجد العديد من الباحثين وخبراء علم الاقتصاد في البلدان المتقدمة أنفسهم حتما أمام مواجهة اقتصاديات التنمية، بدءا من ادارة الأزمات وإخفاقات السوق الى التغلب على إجهاد التعديل ووضع أسس أفضل للنمو السليم والمستدام والشامل من الناحية الهيكلية.


حتى وقت قريب، كانت المهنة شديدة المقاومة للقضاء على الفروق المصطنعة، ناهيك عن تبني نهج متعدد التخصصات, واستمرت هذه القيود المفروضة ذاتيا على الرغم من وجود أدلة كثيرة على أن الاقتصادات المتقدمة، لا سيما منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مثقلة بالعقبات الهيكلية والمؤسسية التي أعاقت النمو بطريقة مألوفة تماما للاقتصادات النامية. ففي السنوات التي أعقبت الأزمة المالية العالمية في عام 2008، عمّقت هذه المشاكل الانقسامات السياسية والمجتمعية وقوّضت الاستقرار المالي وزادت من صعوبة مواجهة الأزمة غير المسبوقة التي تدق بابنا الآن.


القبس

جمعية البنوك اليمنية   جمعية البنوك اليمنية

رابط مختصر:
UP