مقابلات ومقالات

  • شارك:

لمحة تاريخية عن أنظمة سعر الصرف وموقف صندوق النقد منها!!


جمعية البنوك اليمنية - صنعاء     بتاريخ: 2020/02/26

 

إعداد حسين حسن قعطبي*


بنظرة عارضة يبدو موقف صندوق النقد الدولي تجاه أسعار الصرف شاذا بشكل استثنائي؛ ففي عام 1997م حث هذا الصندوق البلدان الأسيوية على تخفيض عملاتها أو تعويمها, كما أنه في عام 1998م كان قد أقرض روسيا والبرازيل المليارات من الدولارات؛ في محاولة منه لمساعدتها في الدفاع عن سعري صرف عملتيها, إلا أنه من جانب آخر قد أثنى على هونج كونج؛ لامتلاكها مجلس عملة شديدة الصرامة, وأطرى على سنغافورة لاعتمادها على تعويم مرن خاضع للإدارة, ومن المفترض عادة أن نظم سعر الصرف تؤخذ بأنها مسألة مركزية تجاه أزمات العملة؛ ذلك أن الاقتراب منها بشكل مختلف قد لا يكون مثاليا.


إلا أن الأمر ليس كذلك فالتناقض (عدم الانسجام) في مواقف صندوق النقد الدولي, يعكس الانقسام العميق بين الاقتصاديين بشأن أنظمة سعر الصرف, وبصورة أوضح فإن المهندسين الرسميين للمالية الدولية (مجموعة السبعة, مجموعة الإثنين والعشرين.... الخ) قد تجنبوا الخوض في هذا الموضوع, وهذا بسبب أن مسألة سعر الصرف قد وقعت, وأكثر من أي شيء آخر, في شرك عدم الاتفاق, الذي يمنع إصلاح المالية الدولية, وهذه المسألة – تعتبر- المجال الوحيد, حيث لا تنفع التعاقبات على تجنب أخطائها.


وفي عالم الرساميل المتحركة المتعاظم؛ فإن البلدان لا تستطيع تثبيت سعر صرف عملاتها, وفي نفس الوقت الإبقاء على سياسة نقدية مستقلة؛ لذلك عليها الاختيار بين الثقة والاستقرار, التي تقدم عبر سعر الصرف الثابت وبين الرقابة على هذه السياسة والمقترحة من جانب سعر الصرف المعوم, وتقليديا فإن العمل الحاسم لاعتماد هذا الاختيار أو ذاك لبلد ما, هو سرعة التأثر بالصدمات الخارجية, كمثل التغيرات في أسعار السلع التصديرية؛ فالعملة المعومة تسمح بالتكيف مع الصدمات الخارجية, في حين أن الأجور والأسعار المحلية في بلدان العملة المثبتة, عوضا عن ذلك ستقع تحت ضغوط.


لكن يوجد لدى أسعار الصرف العومة ارتداد كبير, إذ بإمكانها تجاوز حد الاعتدال وتصبح غير مستقرة بشكل كبير, خاصة إذا كانت هناك مبالغ عظيمة من رأس المال تتدفق إلى وتخرج من بلد ما, ومثل عدم الاستقرار هذا يحمل في طياته كلفة اقتصادية حقيقية, وبالإضافة إلى ذلك يمكن للأسعار المعومة أن تقلل من ثقة المستثمرين في العملة مما يصعب مكافحة التضخم, وللأخذ بما أفضل في هاذين الأمرين ( الأسعار الثابتة أو المعومة), أخذت عدد من الاقتصادات الناشئة بمقترحات مهجنة تجمع بين الارتباط الرخو لأسعار عملاتها إما بعملة أجنبية واحدة كالدولار مثلا, أو بسلة من العملات.


وقبل الوقوع في المتكرر في الأزمات فإن عدد من الأكاديميين قد اتفقوا بأن تلك "المرونة المحدودة" كانت مساومة جيدة, إلا أن هذا الإجماع قد تبعثر؛ فمعظم الأكاديميين يعتقدون في الوقت الحاضر بأن الحلول الجذرية وحدها هي التي ستنجح؛ فإما ضرورة تعويم العملات بشكل آخر حر, أو جعلها مرتبطة وبشكل صارم ( عبر مجلس للعملة أو حتى بشكل أفضل من ذلك – باتحاد للعملة).


ولسوء الحظ من النادر أن يتفق الأكاديميون على الحل الأمثل؛ فبالأخذ بالعلاجات, التي اقترحت "لأمراض" البرازيل, كان السيد ساشس من جامعة هارفارد, ومنذ فترة يجادل بأن الحل الأمثل للبرازيل هو الأخذ بسعر الصرف المعوم, الذي أخذت به لاحقا في يناير من عام (1999) وبنفس القدر فإن السيد رودي دورنبوش من معهد مساشيوستس للتكنولوجيا, يرى وبعناد بأن مجلس للعملة يظل هو الأفضل.


ويفضل صانعو السياسة النقدية أن يقللوا من شأن أسعار الصرف؛ إذ أنهم يجادلون بنجاح أي من النظامين, شريطة أن يكون أي منهما مدعوما بأسس اقتصادية متينة, وهذا الموضوع قد يكون صحيحا, إلا أنه قد أصبح باليا؛ ذلك أنه بالطبع أن بلد ما سيستفيد من السياسات النقدية القوية, لكن الأحداث الأخيرة قد أظهرت بأن اختيار أي بلد لنظام سعر عملته يعكس بوضوح مدى حساسية تأثره في الأزمات؛ ذلك أن البلدان الأسيوية قد حوصرت بالمشاكل بسبب المستويات الثابتة لأسعار عملاتها, إلا أنها أيضا قد وقعت في فوضى بسبب سرعة التقلب في أسعار الصرف المعومة, التي انتقلت إليها فيما بعد.


ومن ناحية أخرى فإن العملة المعومة سوف تجبر المؤسسات والمستثمرين على وقاية أنفسهم من التقلبات, بدلا من استكانتهم لشعور مزيف من الاستقرار( مثلما كان الوضع عليه في معظم بلدان آسيا), كما أنها ستجعل البنوك الأجنبية أكثر حذرا بشأن الإقراض, وفي نفس الوقت سوف تعطي صانعي السياسة الخيار للابتكار في شؤون سياستهم النقدية, كذلك نجد أن التاريخ هو إلى جانب توسيع المرونة؛ فمنذ منتصف السبعينات تزايد وبصورة متصاعدة عدد البلدان, التي اعتمدت حتى الآن أسعار صرف مرنة, وعلى النحو التالي:


أنظمة أسعار الصرف للبلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي


(حتى الفصل الأول 1998م % من الإجمالي)




  • سعر صرف معوم خاضع للإدارة 29.7%




  • سعر صرف معوم حر 25.3%




  • سعر صرف ثابت 35.7%




  • سعر صرف آخر 9.3%




وبالمعاينة عن قرب؛ فإن الاختيار قد لا يبدو واضحا تماما؛ فوفقا للبنك الدولي, وقعت تلك البلدان, التي لديها أسعار صرف مرنة خلال الثلاثين عاما الماضية في أزمات أكثر من تلك البلدان, التي لديها أسعار صرف ثابتة, بالرغم من أن وقع هذه الأزمات على الأخيرة, كان أكثر شدة, بالإضافة إلى ذلك فإن الاستقلال النقدي قد يكون ظاهريا أكثر مما هو حقيقيا, وذلك في البلدان النامية, التي تمتلك أنظمة مالية صغيرة الحجم.


لا بد من الحذر من سرعة التقلب


وتبقى المشكلة الأعظم في نظام العملة المعومة هي خطر سرعة التقلب, حيث أن الأسواق المالية الصغيرة لعدد من الاقتصادات الناشئة تعني أن سرعة التقلب في الصرف سوف تصبح مشكلة هيكلية, وليست مؤقتة, ويعترف أغلبية المؤيدين النشطين لأسعار الصرف المعومة بمخاطر سرعة التقلب, ويطلبون من الاقتصادات الناشئة أن لا تشجع على دخول الرساميل قصيرة الأجل, وذلك للتقليل من سرعة التقلب في سعر الصرف.





  • خبير مصرفي والوكيل المساعد للبحوث والإحصاء (سابقا) في البنك المركزي اليمني



جمعية البنوك اليمنية   جمعية البنوك اليمنية

رابط مختصر:
UP