تقارير ودراسات

  • شارك:

البنوك المركزية في وضع حرج بشأن خفض الفائدة


جمعية البنوك اليمنية - صنعاء     بتاريخ: 2024/01/07

 

اندبندنت عربية

انخفضت مؤشرات الأسهم في الأسواق الأوروبية بنهاية تعاملات الأسبوع، يوم الجمعة، مع تراجع ثقة المستثمرين في احتمال بدء البنوك المركزية في التيسير النقدي (خفض أسعار الفائدة وضخ السيولة في الأسواق).

وهبطت المؤشرات الرئيسة بما يقارب النقطة المئوية مع بدء تعاملات أمس السبت، متتبعة خطى إغلاق الأسواق الآسيوية على تباين وضعف عام في الأداء.

وتراجع مؤشر "ستوكس يوروب 600" الأوروبي العام بنسبة 0.7 في المئة، وأيضاً مؤشر "فوتسي 100" في بورصة لندن بالنسبة ذاتها.

بينما هبط مؤشر "كاك 40" الفرنسي بنسبة 0.9 في المئة، وكذلك انخفضت عقود التداول المستقبلية في بورصة "وول ستريت" بنسبة 0.1 في المئة لمؤشر "أس أند بي 500" القياسي وبنسبة 0.2 في المئة لمؤشر "ناسداك" المجمع.

وتنتظر الأسواق بيانات أميركية في شأن الأجور كمؤشر إلى مدى قوة النشاط الاقتصادي، من ثم تقدير الخطوة التالية للاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي) في شأن أسعار الفائدة.

ومع أن البنك لمح إلى أن فترة التشديد النقدي (رفع أسعار الفائدة) انتهت إلا أنه يظل حذراً فيما يتعلق بموعد البدء في خفض سعر الفائدة.

كانت الأسواق قد تفاءلت بأن تبدأ البنوك المركزية في تخفيض أسعار الفائدة في الربيع، أو على الأكثر قرب منتصف العام الحالي، ذلك في ضوء البيانات الرسمية المتتالية التي تشير إلى تراجع الارتفاع في معدلات التضخم بصورة واضحة.

مخاوف التضخم

إلا أن المخاوف في شأن عودة الضغوط التضخمية، ومن ثم تأجيل البنوك المركزية البدء في خفض أسعار الفائدة جعلت الأسواق تتخلى عن تفاؤلها.

وأصدر مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات) بيانات ديسمبر (كانون الأول) الماضي التي أظهرت ارتفاع معدلات التضخم في منطقة اليورو بنسبة 2.9 في المئة، وتلك هي المرة الأولى منذ ستة أشهر التي يرتفع فيها معدل التضخم في دول الاتحاد الأوروبي، إذ يتباطأ بالفعل منذ نصف عام.

وجاء الارتفاع في الأسعار في دول منطقة اليورو الـ20 للشهر الماضي مقابل تراجع معدلات التضخم لنوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى أدنى مستوى لها في عامين عند نسبة 2.4 في المئة.

حتى وإن كانت أقل من توقعات مسح أجرته وكالة "رويترز" بارتفاع التضخم إلى نسبة ثلاثة في المئة، إلا أن مجرد انعكاس منحى التراجع إلى الارتفاع يعني أن البنك المركزي الأوروبي لن يبدأ في خفض أسعار الفائدة قريباً، وكانت الأسواق تتوقع أن يبدأ البنك ذلك في مارس (آذار) المقبل.

تزامن البيانات الأوروبية مع إعلان مكتب الإحصاء الفيدرالي في ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، عن خفض مبيعات التجزئة لشهر نوفمبر ليصبح هبوط مبيعات التجزئة بألمانيا في 11 شهراً الأولى من العام الماضي بنسبة 3.3 في المئة إشارة مهمة إلى ضعف الأداء الاقتصادي في أوروبا بصورة عامة.

وبانتظار أرقام الوظائف في الولايات المتحدة، بدأت الأسواق تعيد النظر في تفاؤلها بقرب عودة تخفيض أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية.

وفي رأي كثر من المحللين والاقتصاديين أن البنوك المركزية لم تعد منذ فترة تهتم كثيراً بتوقعات السوق بقدر اهتمامها بأداء الاقتصاد بصورة عامة، من ثم تضع سياساتها النقدية الهادفة لضبط الأسعار على أساس توقعات النمو الاقتصادي آخذة في الاعتبارات مؤشرات الاقتصاد الكلي من الناتج الصناعي إلى سوق العمل وإنفاق المستهلكين.

معضلة البنوك المركزية

يشكل ذلك معضلة للأسواق والمستثمرين الذين يصعب عليهم الآن وضع خططهم للمستقبل في ضوء عدم اليقين في شأن أسعار الفائدة، إلا أن البنوك المركزية ربما كانت في وضع أصعب وتواجه معضلات أخرى لا تتعلق بتوقعات الأسواق والمستثمرين، أولها المخاوف من عودة الضغوط التضخمية في وقت لم تنخفض فيه معدلات التضخم بعد للنسبة المستهدفة من معظم تلك البنوك عند اثنين في المئة.

وعلى رغم مؤشرات تباطؤ التضخم العام الماضي، فإن استمرار الصراعات الجيوسياسية وتأثيرها في التجارة وسلاسل الإمدادات يمكن أن تدفع الأسعار للأعلى مجدداً.

في مقدمة تلك المخاوف هجمات المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران على الملاحة البحرية في ممر باب المندب – قناة السويس عبر البحر الأحمر.

وبدأت تلك الهجمات والتهديدات بالفعل ترفع كلفة الشحن البحري بأضعاف مضاعفة، وكذلك تضر بالإنتاج الصناعي والإنفاق الاستهلاكي في معظم الدول، والمعضلة هنا أن تعطل الملاحة عبر البحر الأحمر لا يرفع السعار فحسب، وإنما يضغط أيضاً على فرص النمو الاقتصادي.

وهنا تجد البنوك المركزية نفسها في أزمة بين الاستمرار في وضع الفائدة المرتفعة لكبح جماح أية ضغوط تضخمية جديدة والحاجة إلى تيسير السياسة النقدية لتشجيع النمو الاقتصادي.

يزداد الأمر تعقيداً بحقيقة أن البنوك المركزية أخفقت في تقديراتها لارتفاع معدلات التضخم العام قبل الماضي، من ثم تأخرت في استخدام أداة سعر الفائدة لمواجهة ارتفاعه، فقد توقعت البنوك المركزية في البداية أن موجة التضخم "انتقالية" نتيجة الانتعاش القوي بعد فترة الإغلاق بسبب وباء كورونا، لكن ارتفاع الأسعار لم يكن انتقالياً ولا مرحلياً، واستمر في الزيادة بقوة لمدة أطول من تقديرات البنوك المركزية.

ويرجح معظم الاقتصاديين والمعلقين أن البنوك المركزية ستبدأ منحى خفض أسعار الفائدة هذا العام على رغم كل ما سبق. إنما تظل تقديرات الأسواق والمستثمرين مركزة على متى يبدأ ذلك وبأي قدر ستخفض الفائدة، والأقرب إلى المنطق أن يكون ذلك في النصف الثاني من هذا العام حتى يتأكد واضعو السياسات النقدية من أن أسعار الفائدة المرتفعة ضبطت الأسعار بالفعل، أما نطاق التخفيض، فربما يكون أقل مما تتوقعه الأسواق.

جمعية البنوك اليمنية   جمعية البنوك اليمنية

رابط مختصر:
UP