مقابلات ومقالات

  • شارك:

البنوك مؤسسات وطنية يتوجب حمايتها ودعمها


جمعية البنوك اليمنية - صنعاء     بتاريخ: 2023/10/30

 

محمود قائد ناجي
يواجه النشاط المصرفي في هذه الآونة صعوبات جمة وتحديات غير مسبوقة، وتدور الكثير من التساؤلات بين أوساط الفئات المختلفة في المجتمع، من رجال أعمال وأكاديميين وسياسيين ومنظمات مجتمع مدني، حول مدى قدرة القطاع على تحمل الصدمات ومواجهة التحديات والمخاطر التي تعصف به، والاستمرار في أداء الدور المنوط به في حشد المدخرات والموارد الوطنية وتوجيهها لدعم حركة النشاط الاقتصادي والإسهام في تحقيق التنمية المستدامة.
 وللإجابة على مثل تلك التساؤلات وإلقاء الضوء على أهمية الدور الذي يقوم به القطاع، نستعرض هنا وبإيجاز شديد الخلفية التاريخية لظهور مؤسسات القطاع المصرفي والمحطات والمنعطفات التي مرت بها، وما بذلته من جهود ووفرته من موارد لدعم الحركة الاقتصادية وتوسيعها وتطويرها.
ليس بخاف على أحد أن اليمن حتى مطلع الستينيات، كانت تعاني من التخلف العميق في مختلف مجالات الحياة، وكان الشعب اليمني يعاني من الفقر المدقع والأمراض الفتاكة والمزمنة، ولانتشاله من ذلك الواقع المؤلم كان لابد من العمل على إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة تساعده على الخروج من براثن التخلف وتدفع به للالتحاق بركب التطور والحداثة، وتؤمن لأبنائه الرعاية والحياة الكريمة أسوة بغيرهم من الشعوب التي سبقتهم في الانطلاق نحو التطور والبناء.
كان التحدي الأكبر الذي واجه المعنيين بوضع خطط التنمية في ذلك الوقت هو محدودية الموارد المالية اللازمة لتنفيذ خطط التنمية وتوفير البنية التحتية المطلوبة لإحداث التحول الاقتصادي المنشود، حيث لم تكن رؤوس الأموال متوفرة وجاهزة لتمويل مشاريع التنمية أو الدفع بعجلة الاقتصاد، ولم يكن هنالك من سبيل لتجاوز هذه العقبة سوى العمل على تجميع المدخرات الوطنية المحدودة من مصادر الأفراد والمنشآت التجارية الفردية، وكان لابد من وجود مؤسسات متخصصة تعمل على جذب تلك المدخرات وتوجيهها لتمويل النشاط التجاري والمبادرات الاستثمارية المحدودة في تلك الفترة، فتم إنشاء البنك اليمني للإنشاء والتعمير بمبادرة من القطاع العام والخاص، ليقوم بتلك الوظيفة.
قام البنكان الوطنيان اليمني والأهلي بدورهما الكامل في حشد المدخرات وتمويل النشاط الاقتصادي المحدود آنذاك، وساهم في إنشاء ودعم الكثير من الشركات التجارية التي ظهرت في تلك الفترة ولعبت دورا مهما في تنشيط الحركة التجارية وتوسيعها.
مع مرور السنين، وبالتزامن مع توسع النشاط الاقتصادي وتوفر المزيد من فرص العمل أمام المواطنين، وظهور فائض النشاط لدى المنشآت التجارية ظهرت الحاجة إلى مزيد من مؤسسات المال المسلحة بالأنظمة والتكنولوجيا الحديثة التي تؤهلها  لاجتذاب تلك الفوائض والمدخرات الفردية وتوظيفها باتجاه تنمية الاقتصاد الوطني وتقديم الخدمات المتطورة لمؤسساته، فعمل رأس المال الوطني، سواء بالمشاركة مع القطاع العام أو مع جهات الاستثمار الخارجية، على إنشاء العديد من البنوك التجارية والإسلامية، لتتولى حشد المدخرات وتوفير التمويل اللازم للنشاط التجاري والاقتصادي بشكل عام، وتقديم الخدمات المالية المتطورة له.
قامت البنوك الوطنية بواجباتها وأدت الدور المنوط بها في دعم الاقتصاد الوطني، وكانت مصاحبة لحركة التطور في البلاد، وتعرضت لما تعرضت له البلاد في مختلف منعطفات مسيرتها، من تقلبات اقتصادية وأزمات مالية وظلت صامدة في وجه التحديات تؤدي رسالتها وتقدم خدماتها لوحدات النشاط الاقتصادي وأفراد الجمهور على الرغم من كل الصعوبات والتحديات والأعباء التي تتحملها في سبيل ذلك.
لقد واجه القطاع المصرفي خلال السنوات العشر الماضية كما هائلا من المعوقات الخارجية والداخلية الأكثر حدة وتأثيرا على نشاطه، بدأت بحملة إغلاق الحسابات التي شنتها ضده البنوك الخارجية بهدف تقويض علاقاته المصرفية مع العالم الخارجي والتأثير على قدراته في تمويل الاستيراد وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطن، وانتهاء بأزمة السيولة النقدية المتواصلة التي كان لها تأثيراتها السلبية المتعددة على واقع القطاع المصرفي وواقع الاقتصاد الوطني بشكل عام. 
وبالنظر إلى طبيعة الدور الحيوي الذي لعبه ويجب أن يستمر في لعبه للدفع بعجلة النشاط الاقتصادي ودعم الصمود الوطني في وجه المؤامرات والتحديات.
تبرز أمامنا (ختاما) العديد من التساؤلات الأخرى التي يتوجب الإجابة عليها وهي:
في ظل العراقيل والضغوط المتوالية على القطاع المصرفي ، هل نحن بصدد التخلي عن هذا القطاع والاستغناء عن دوره في دعم الاقتصاد الوطني، وهل لدينا الاستعداد لاستيعاب كل ما يمكن أن يخلفه ذلك من كوارث اقتصادية واجتماعية، أم أن المصلحة الوطنية والجهد الذي بذل في بناء مؤسسات هذا القطاع وتطويرها خلال فترة زمنية طويلة مضت يحتم علينا إبداء المزيد من الحرص على هذا القطاع الذي يمثل وجوده منجزا وطنيا هاما وركيزة أساسية للبنية الاقتصادية في البلاد، وتخفيف الضغوط الموجهة عليه، ومد يد المساندة له، ودعمه وتعزيز صموده.

 

افتتاحية العدد 29 سبتمبر 2023م
 

جمعية البنوك اليمنية   جمعية البنوك اليمنية

رابط مختصر:
UP