تقارير ودراسات

  • شارك:

لغز الفائدة .. هل يصبح التضخم مشكلة دائمة أم سينحسر قريبا؟


جمعية البنوك اليمنية - صنعاء     بتاريخ: 2023/04/22

 

الاقتصادية

فاجأت عودة التضخم كثيرين، بمن فيهم محافظو البنوك المركزية، كذلك كان الحال مع الارتفاع الناتج في أسعار الفائدة الاسمية، وجلبت هذه مفاجآت أخرى معها، ولا سيما ما حدث من صدمة صغيرة في الأعمال المصرفية.

السؤال الآن: “ما التالي؟” هل سينحسر التضخم إلى مستويات ما قبل كوفيد المنخفضة للغاية أم سيكون مشكلة دائمة، كما حدث في السبعينيات وأوائل الثمانينيات؟ ماذا عن أسعار الفائدة أيضا؟

وكما أشار ستيفن كينج، مستشار بنك إتش إس بي سي، في كتاب “يجب أن نتحدث عن التضخم”، فإن كثيرين كانوا راضين عن إمكانية عودة التضخم، ويلاحظ، أيضا، أنه بمجرد أن يترسخ التضخم، وفي المقام الأول، التوقعات التضخمية، سيصبح القضاء عليه أمرا مؤلما للغاية، هل وصلنا إلى هذه المرحلة؟ أم أن مؤسساتنا لا تزال تتمتع بمصداقية كافية، وهل لا يزال التضخم عابرا حتى نتمكن من العودة إلى التضخم المنخفض بتكلفة منخفضة؟

من وجهة نظري، من المرجح أن نعود إلى التضخم عند نحو 2 في المائة في العام، أو ربما أعلى قليلا، هذا أيضا ما تتوقعه الأسواق، وفقا للاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، التضخم المتوقع في الولايات المتحدة يبلغ 2.1 في المائة، وهو ما يتماشى إلى حد ما بشكل مثالي مع الهدف، هذا يظهر الثقة بأن الهدف سيتحقق. وتقدر علاوة مخاطر التضخم أيضا بـ0.5 نقطة مئوية، وهو ما ينسجم مع التقييمات التاريخية.

هناك حجتان متداخلتان تفسران لماذا قد يتبين أن هذا منظور مفرط في التفاؤل، إحداهما أن ظروف العرض أصبحت أكثر تضخما، فقد أدى تراجع العولمة والصدمات الأخرى إلى تقليل مرونة معروض المدخلات الرئيسة بشكل دائم، وسيؤدي ذلك إلى رفع تكاليف الحفاظ على التضخم منخفضا، الأخرى، هي أن الاقتصاد السياسي الخاص بالحد من التضخم قد تدهور، لذلك، عامة الناس يهتمون بشكل أقل بالتضخم الآن، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنهم لا يمتلكون ذاكرة لتضخم مرتفع امتد لفترة طويلة، علاوة على ذلك، تريد الحكومات خفض مديونيتها، التي أصبحت الآن أكبر بكثير مما كانت عليه قبل 15 عاما، دون الحد من العجز المالي، وأخيرا، خرج جني التضخم من القمقم، وستكون إعادته إليه ضارة.

ما زلت غير مقتنع. من الواضح أنه لا توجد صلة ضرورية بين العرض والتضخم، لأن الطلب مهم هو الآخر، شريطة أن ينمو الطلب الكلي بما يتماشى مع الإنتاج المحتمل وأن تكون بنية الإنتاج مرنة بشكل معقول، فإن القيود المحددة متوافقة تماما مع التضخم الإجمالي المنخفض، إضافة إلى ذلك، لن يرغب المسؤولون عن السياسة النقدية دخول التاريخ بصفتهم المسؤولون عن فقدان الاستقرار النقدي، أخيرا وليس آخرا، هم يعلمون أن سحق التضخم الآن أسهل بكثير من التشديد مرة أخرى في وقت لاحق.

لنفترض أن هذا صحيح، عندئذ لن يتم رفع مكونات التضخم في أسعار الفائدة الاسمية بشكل دائم، لكن ماذا عن العنصر الحقيقي؟ انخفضت أسعار الفائدة الحقيقية لجيل كامل، قبل أن تصل إلى مستويات سلبية أثناء الجائحة، ومنذ ذلك الحين، تعافت بشكل حاد، فما الذي سيحدث؟

في تقريره الأخير عن آفاق الاقتصاد العالمي، يتناول صندوق النقد الدولي هذه المسألة عبر التحقيق في “سعر الفائدة الطبيعي”، الذي يعرف بأنه “سعر الفائدة الحقيقي الذي لا يحفز الاقتصاد ولا يقلصه”، كما أنه سعر الفائدة الذي يتوقع المرء عنده أن يظل التضخم مستقرا (في غياب الصدمات)، ولا يمكن تحديد سعر الفائدة الطبيعي بشكل مباشر، لكن يمكن تقديره. الاستنتاج الرئيس لتحليله هو أنه “بمجرد انتهاء فترة التضخم الحالية، من المرجح أن تتجه أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة نحو مستويات ما قبل الجائحة”، بعد الصدمات الأخيرة، ستنخفض أسعار الفائدة الحقيقية والاسمية إلى ما كانت عليه عام 2019، ويتوقع التقرير على وجه الخصوص أن يكون تأثير الشيخوخة المرتفعة متواضعا، وكذلك التأثير (المعاكس) للدين العام المرتفع.

في آذار (مارس)، ناقش اثنان من كبار خبراء الاقتصاد الكلي، أوليفير بلانشارد ولورنس سمرز، هذه المسألة بالتفصيل في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، من بين الاثنين، كان بلانشارد الأقرب إلى رأي صندوق النقد الدولي، بينما غير سمرز، الذي أعاد طرح فكرة “الركود المزمن” في الجدل السياسي عام 2015، رأيه الآن، بحجة أن أسعار الفائدة ستكون أعلى بكثير مما كانت عليه في الماضي القريب.

الفرق ليس كبيرا. يجادل بلانشارد بأن أسعار الفائدة الحقيقية ستظل أقل من المعدل الحقيقي للنمو الاقتصادي، وهو أمر حاسم لاستدامة الديون. لا يشير بلانشارد إلى أنها ستعود إلى المستويات السلبية. من جانبه، يعتقد سمرز أنها ستكون أعلى إلى حد ما من تقدير الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة الطبيعي البالغ 0.5 في المائة، ويتفقان على أن أحد الأسباب التي تجعل أسعار الفائدة الحقيقية أعلى من ذي قبل هو زيادة الاستثمار في تحول الطاقة، والآخر هو الحاجة إلى إنفاق مزيد على الدفاع، قد يؤدي ارتفاع الدين العام أيضا إلى رفع أسعار الفائدة الحقيقية، برغم أن التضخم يقضي على الديون.

مع ذلك، يختلف الاثنان حول ما إذا كان الطلب المستمر يعكس عوامل مؤقتة (متعلقة بكوفيد) أو قوة أكثر ديمومة، ويختلفان أيضا حول المدى الذي سيبقي فيه النفور من المخاطرة عوائد الأصول الآمنة منخفضة، كما يختلفان حول ما إذا كانت الشيخوخة ستزيد من المدخرات، وحول التأثير المحتمل للدين العام على أسعار الفائدة، من جميع هذه النواحي، يتخذ بلانشارد موقفا يبرر انخفاض أسعار الفائدة الطبيعية ويبرر سومرز عكس ذلك.

لنفترض أن التضخم سينخفض إلى 2-3 في المائة، ودعنا نفترض أيضا أن سعر الفائدة الحقيقي المتوازن يراوح بين صفر و2 في المائة، عندئذ تكون أسعار الفائدة الاسمية قصيرة الأجل 2-5 في المائة، ونظرا لعلاوة المخاطر، فإن أسعار الفائدة الأطول أجلا ستكون 3-6 في المائة، في الحد الأدنى، قد تكون القدرة على تحمل الديون بسيطة، في الحد الأعلى، سيشكل ذلك تحديا، هذا النطاق من عدم اليقين كبير، لكن لا يزال من الممكن أن يكون الواقع مختلفا.

لقد غيرت عودة التضخم العالم، السؤال هو ما مدى التغير، إنه سؤال سيجيب عليه الزمن.

جمعية البنوك اليمنية   جمعية البنوك اليمنية

رابط مختصر:
UP