مقابلات ومقالات

  • شارك:

متطلبات تحقيق الشمول المالي باستخدام التكنولوجيا المالية في السوق اليمنية!!


جمعية البنوك اليمنية - صنعاء     بتاريخ: 2023/01/26

 

صــــــــــــــــلاح الفـــــــــائق*

شهد العام الماضي إقامة مؤتمرات وفعاليات خاصة بالتكنولوجيا المالية الأمر الذي يعتبر خطوة جيدة في مواكبة التوجه العالمي نحو رقمنة الخدمات المالية وإدارة النقدية في ظل الأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم  بشكل عام واليمن على وجه الخصوص, تم خلالها مناقشة الأطر النظرية لمفاهيم التكنولوجيا المالية والجدوى الاقتصادية والاجتماعية بالإضافة الى الصعوبات والتحديات المتعلقة بقبول الخدمة والدور الحكومي في إنجاح المشروع مع التطرق الى توصيات تضمنت في غالبها كيفية الدفع بالخدمة وجعلها أمر واقع من خلال انتهاج استراتيجية PUSH.

وللتوضيح هناك فوارق بين التحول الرقمي, الشمول المالي, والتكنولوجيا المالية, فالتحول الرقمي يشير الى التغير في أداء الاعمال باستخدام التكنولوجيا وتحدث تغييرا ملموسا وجذريا في طريقة أداء وتقديم المنتجات للعملاء ويعتبر التحول الرقمي المظلة الأكبر للابتكارات الثورية الرقمية, في حين يشير مصطلح الشمول المالي الى إيصال الخدمات المالية والمصرفية الى كافة أبناء المجتمع بلا استثناء, وقد يتم تنفيذه إما بشكل تقليدي من خلال افتتاح فروع أو نقاط تقديم الخدمة أو بالاعتماد على المنتجات الرقمية أو ما يسمى بالتكنولوجيا المالية التي تعبر عن استخدام التكنولوجية الرقمية لتقديم الخدمات المالية التقليدية مثل التحويل – الشراء- السحب-الإيداع- الخدمات التمويلية-التأمين ...الخ وأخرى مبتكرة.

كانت أبرز المنتجات المعروضة في الفعالية والمؤتمرات التي اقيمت هي خدمة النقد الالكتروني- أو الريال الالكتروني الذي, وتم التركيز على المنتج كأداة لتعزيز الشمول المالي, كانت التوصيات في المجمل جيدة ولكن كما أوضحنا أن تنتهج سياسة الدفع بالمنتج الى السوق , ومن وجهة نظر شخصية فإن الأمر يتطلب مزيدا من تحليل للسوق المنتج ودراسة العناصر السياق الاجتماعي والتقني  باعتبارهما المدخل الأساسي لقبول الخدمة من عدمه بشكل عام وتحديد العناصر التي دفعت بضعف مستوى النمو للخدمة بالرغم من مضي 5 سنوات من إطلاقها , حقيقة الأمر إن التوجه الحديث من بعض البنوك الرائدة والشركات المالية لابتكار منتجات مالية وعلى وجه الخصوص النقود الالكترونية كانت فكرة جيدة لمعالجة شحة السيولة بالإضافة الى خدمات مضافة مثل تسهيل عمليات المدفوعات والتحويلات المجتمعية, ولكن عند الاطلاع للفترة الزمنية لبدء المشروع وإنزال المنتج للأسواق يتضح بأن المنتج لم يلق التجاوب الكافي والمأمول لعدة أسباب أهمها:

1-         البعد الاقتصادي:

من المعروف بأن خدمة النقود الالكترونية في الغالب موجهة لقطاع الأفراد والمؤسسات الصغيرة لإدارة النقدية واعتمادها على الهواتف الذكية , لقد شهدت الفترة السابقة انخفاض معدلات الدخل لدى الأفراد لأسباب تتعلق بتوقف الأعمال والأنشطة التجارية, الأمر الذي جعل من رواج الخدمة ضعيفا وغير مواكب للتوقعات، كما شهدت الفترة مضاربة في أسعار العملات الأمر الذي جعل تركز النقدية لدى شركات الصرافة واعتماد التجار على التعامل النقدي للحد من مخاطر تغير أسعار الصرف وقد أسهم هذا أيضا في ضعف رواج الخدمة.

2-         البعد التكنولوجي:

تعتمد خدمة النقود الالكترونية بدرجة أساسية على توفر البنية التحتية لخدمة الاتصالات حتى يمكن استخدامها والانتفاع بخدماتها, ومن خلال الاطلاع على تجارب الدول التي نجحت في إطلاق الخدمة سواء في جنوب افريقيا أو الصومال واوغندا, نلاحظ أن السبب الرئيسي لنجاح الخدمة كانت شركات الاتصالات التي تبنت المشروع ووفرت بنية متكاملة لمعالجة البيانات وتغطية غير منقطعة لكافة المناطق, لقد شهدت المرحلة الأولى لإطلاق خدمة النقود الالكترونية مشاكل تتعلق بمحدودية نطاق الخدمة على مناطق وشركات مزودة (اتصالات- تقنية) محدودة, بالإضافة الى مشكلات معالجة العمليات العالقة في الـ Back office, ومازالت هذه المعضلة قائمة ولو بشكل أقل من ذي قبل.

3-         البعد الاجتماعي:

-           ظاهرة التحيز للوضع الراهن Statue quo bias:

تشير الدراسات الحديثة ومنها دراسة Erasums University للمجتمعات في الدول النامية الى صعوبة إحداث تغيير لدى الأفراد فيما يتعلق بالمنتجات الحديثة بسبب ما يسمى "التحيز للوضع الراهن Statue-quo bias" والناجم عن عوامل كثيرة منها الأنماط المألوفة والمعتادة في الحياة ومستوى التعليم ومستوى الإدراك للمنافع المتحصلة وتوفر الوسائل (الهواتف الذكية- شبكات الاتصال), ويتضح هذا المفهوم الى تحيز الأفراد الى التفضيل بالتعامل الورقي بدلا عن الوسائل الالكترونية لأسباب تتعلق بـقلة المعرفة بالتكنولوجيا الحديثة ومحدودية الادراك لمزايا وخدمات الهواتف الذكية ومستوى توفرها لأفراد المجتمع.

-           التركز السكاني:

تشير الدراسات التي أجريت الى أن التركز السكاني في المناطق خارج عواصم المدن تصل الى 79% أي في المدن الثانوية والأرياف وهي مناطق تتسم بالأنشطة المنتجة مثل الزراعة والأعمال المهنية, وتلك المناطق عادة إما أن تكون غير مغطاة بشبكة الاتصالات أو ضعيفة الذي يعتبر المكون الرئيسي لاستخدام النقد الالكتروني، كما أن تركز الأسواق والأنشطة التجارية في منطقة محدودة يجعل من انتشار واستخدام الخدمة محدود ولا يفي بأن يكون بديلا للنقد الورقي.

-           أنماط الحياة, التعليم, الدخل:

النمط التقليدي في الحياة والذي يعززه التحيز للوضع الراهن بسبب ضعف الوعي بالخدمة واستخداماتها/انتشارها وقلة مستويات الدخول الذي تقدر ب 2$/لليوم, ومحدودية مستوى التمكين للفئات الديموغرافية الأخرى المدرة للدخل مثل الاعتماد على شخص واحد في إدارة الاحتياجات اليومية, ومستوى الثقة بالقطاع المصرفي والمالي والذي يعكس مستوى الشمول المالي وعدد المنتجات المخصصة لكل فئة يعتبر من الأمور الأساسية في تحديد مستوى التفاعل مع المنتجات المبتكرة وخاصة النقود الالكترونية.

4-         بعد المنتج:

بالرغم من مضي أكثر من 5 سنوات على إطلاق أول خدمة نقود الكترونية في اليمن إلا أن التجربة مازالت في مرحلة النشأة في دورة حياة المنتج لعدة أسباب أهمها:

أ‌-          نمطية الخدمات المقدمة من مزودي الخدمة والتنافس المحدود في إطار التسعير والانتشار على حساب الابتكار وتنويع الخدمات المتاحة في المنتج وجودته.

ب‌-        الاعتماد على التسويق العام Out-bound Marketing: لوحظت الحملات التسويقية للجهات المقدمة للخدمة خلال الفترة السابقة اعتمادها على التركيز على الخدمة ومقدمها بشكل منفرد دون التركيز على السياق الاجتماعي والذي يشمل بدور الخدمة في توفير الفرص وتعزيز الأعمال وتحسين الدخل، وهو ما جعل نشر الخدمة محصور على جمهور وعملاء المزودين.

ت‌-        مستوى الترابط والتكامل بين مقدمي الخدمة أنفسهم وبينهم وبين الشركات المزودة: بلغت عدد المحافظ المصرح لها حوالي 16 محفظة مقسمة بين بنوك -شركات الصرافة- شركات الاتصالات, يعتبر هذا العدد من المحافظ كبير جدا على السوق خاصة أن تجربة النقود الالكترونية مازالت في طور النشأة وهذا يعبر عن مستوى المنافسة الشديدة في نطاق ضيق وفي ظل محدودية عناصر جاذبية السوق Market Attractiveness المتمثلة في الربحية ومستوى رواج الخدمة, ويبرز حدة المنافسة في استخدام كل مزود خدمة لخصائص محددة مختلفة عن الآخر وهو ما يجعل التشتت الميزة الأساسية في تقديم منتج متكامل, كما أن عدم توحيد الخدمات في مقسم موحد يسهل من تكامل المنتجات يعتبر أحد العوائق في نشر الخدمة خاصة أن المشروع يعتبر مشروعا وطنيا وقوميا والذي كان من المفترض من جميع المزودين التركيز في المرحلة الأولى على زيادة عدد المشتركين ومعدلات الاستخدام وتجربة الخدمة على نطاق واسع ليس التنافس على حصة سوقية أو الربحية.

ث‌-        كثرة المنافسين في السوقFragmented industry: بالإشارة الى عدد المحافظ الفاعلة في السوق مقارنة بمستوى العمليات والمشتركين قليل جدا وهو ما يجعل الحصة السوقية مقسمة على عدد كبير من المزودين والذي يقلل من فرص النمو خاصة أن التجربة السابقة في نشر الخدمة اعتمدت على عملاء مزودي الخدمة والذين هم إما مستفيدين من التحويلات المجتمعية أو موظفي البنوك/الصرافين/الاتصالات أو العملاء الحاليين بدرجة أساسية وهذا أسهم في محدودية نشر الخدمة..

وعطفا على ما ذكر, ولغرض زيادة نشر الخدمة, هناك بعض الاعتبارات والمقترحات وهي:

1-         مهام السلطة النقدية (البنك المركزي):

-           المساهمة في نشر الخدمة من خلال تبني حملة تسويقية طويلة الأجل تكون هدفها تعزيز الوعي لدى المواطنين والمؤسسات الحكومية والخاصة في كافة المناطق  باستخدام النقود الالكترونية كأداة مالية معتمدة.

-           تحديد المعايير الأساسية والحدود الدنيا MVP لخدمات ومنتجات النقود الالكترونية وعناصر أمن المعلومات وذلك لتخفيض الفوارق في الخدمات الأساسية المتوفرة بما لا يخلق فجوات في تجربة العملاء.

-           تفعيل التوريدات النقدية (بحدود مبالغ معينة على سبيل المثال من 100 ريال-3 مليون ريال) للإيرادات (الزكاة-الضرائب-الجمارك- الرسوم ) والمدفوعات (المرتبات-المستحقات-المصروفات) الحكومية عبر النقود الالكترونية وليس نقدا.

-           السحب التدريجي للعملات ذات الفئات الصغيرة والتالفة (50-100-200-250 ريال) وتفعيل استخدامها عبر النقود الالكترونية وذلك لنشر الخدمة بين أوساط الأفراد والمؤسسات الصغيرة وذوي الدخل المحدود, لتقليل استخدام النقد الورقي والعرض النقدي خارج البنوك، مثل التجربة المصرية الذي تعزز من استخدام النقد الالكتروني في المدفوعات الصغيرة.

-           إطلاق مشروع تسجيل كافة نقاط البيع (محلات تجارية -مطاعم-مركبات الأجرة-محطات البترول...الخ) بالتعاون مع المجالس المحلية بميزة  QR-Code مخصص وواحد لكل نقطة وتأسيس قاعدة بيانات موحدة يمكن استخدامها من خلال اي مزود للخدمة.

-           تبني مشروع ربط المحافظ في مقسم وطني واحد لجميع مزودي الخدمات بما يعزز التداول والتبادل المالي لكافة المنتجات بسهولة ويسر وفي كافة المناطق الجغرافية للمنتج الواحد.

-           إتاحة خدمة المصارفة والدفع للعملات الأساسية عبر النقود الالكترونية وبحدود معينة لتقليل استخدام النقد الورقي في المضاربة بالعملات الأجنبية.

-           تبني الربط بين الحوالات النقدية والنقود الالكترونية وبحدود مبالغ معينة بشكل مباشر حتى لا تكون منتج الحوالات النقدية بديلا لخدمة النقود الالكترونية.

-           بالإمكان استغلال قواعد بيانات العملاء المسجلة في شركات الاتصالات لتأسيس قاعدة بيانات متكاملة للأفراد والجهات وتسهيل تخصيص ربط شفرة الكود بحسب رقم هاتف العميل بدلا من عملية البدء بجمع بيانات العملاء التي تكون مكلفة وتتطلب الكثير من الوقت.

2-         شركات الاتصالات:

كون خدمة النقود الالكترونية تعتمد في الأساس على استخدام شبكات الاتصالات في تنفيذ العمليات عبر الهاتف, اقترح التالي:

-           العمل على توسيع نطاق الخدمات والتغطية في المناطق الجغرافية لإتاحة الاستفادة من الخدمات للمواطنين في المدن الثانوية والقرى.

-           تفعيل الشراكة الاستراتيجية مع جميع مقدمي خدمة النقود الالكترونية عبر المقسم الوطني الموحد لتفعيل وربط  خدمة النقود الالكترونية عبر تطبيقات الشبكة USSD.

3-         الشركات المزودة لخدمة النقود الالكترونية:

-           دراسة احتياجات العملاء بحسب الشرائح والجغرافيا وتطوير المنتجات بناء عليها بما يسهم في تحسين تجربة العملاء CJ ويتوافق مع احتياجاتهم.

-           توحيد الجهود مع بعضها البعض لتعزيز التكامل الأفقي Horizontal growth لتوسيع التغطية الجغرافية وزيادة الإقبال على الخدمة من خلال تفعيل التداولات المالية عبر مقسم وطني موحد يخدم جميع المزودين.

-           تبني الحملات التسويقية المشتركة التي تركز على جدوى الخدمة ومنافعها في الأجل القصير لزيادة الإقبال على الخدمة.

-           التركيز على التسويق المباشر من خلال استهداف العملاء بشكل مباشر.

-           تبني أنموذج عمل يتيح للعملاء التسجيل والتحويل والشراء والإيداع بشكل مجاني (De facto industry standard model) للترويج للخدمة.

-           تبني استراتيجية التحالفات بين المحافظ لتحقيق التكامل وتقليل التكاليف التشغيلية والتسويقية المطلوبة لنشر الخدمة.

-           الاعتماد على التسويق الالكتروني المركز للمناطق الجغرافية الغير مغطاة أو التي تشهد ضعفا في الإقبال على الخدمة.

-           التركيز تعزيز الكفاءة التقنية ومعالجة مشاكل العملاء أولا بأول من خلال مؤشرات أداء عملية مثل تقليل أوقات توقف الخدمة أو وقت معياري لتنفيذ العمليات.

-           التركيز على التسويق الداخلي للموظفين في استخدام الخدمة والترويج لها بشكل يعزز من ثقة العملاء.

-           المشاركة فيما بين مزودي الخدمة لأهم المشاكل التي تواجه العملاء لتحسين خبرة العملاء وتقليل الانطباعات السلبية من الجمهور تجاه الخدمة حيث إن الانطباع السلبي على منتج ما ينعكس على كافة المنتجات المنافسة التي في طور النشأة وبالتالي على مستوى الإقبال والثقة.                                                                                            

 

*مدير البحوث والتطوير- البنك الأهلي اليمني

جمعية البنوك اليمنية   جمعية البنوك اليمنية

رابط مختصر:
UP